العلاقات الصحية في بيئة العملتقديم:أ. حورية بنت صالح الجاهلي: ( أخصائي نفسي العلاج والقياس النفسي وتعديل السلوك )نبذة عن المتحدثة:
- المدير التنفيذي للجمعية السعودية لعلم النفس المهني
- أخصائي نفسي أول – محلل سلوك –باحثة دكتوراه
الهدف العام:توعية المجتمع بكيفية الحصول على بيئة عمل إيجابية وصحية من خلال تعزيز العلاقات الفعالة بين الأفراد في مكان العمل، وتشجيع التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، وتطوير استراتيجيات لتحسين التواصل والتفاعل بين الموظفين، مما يسهم في تحقيق رفاهية الموظفين وزيادة الإنتاجية العامة للمؤسسة.الأهداف التفصيلية:
1- تعزيز مفهوم العلاقات الصحية في بيئة العمل.2- توضيح الضغوط النفسية المؤثرة على رفاهية الموظف.3- توضيح استراتيجيات تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. المحاور الرئيسية:
1- العوامل النفسية المؤثرة على بيئة العمل2- بناء ثقافة تنظيمية داعمة للعالقات الصحية 3- استراتيجيات تساعد في تكوين عالقات صحية في بيئةالمقدمة:العلاقات تُعد أساسًا لأي تفاعل إنساني سواء في العمل أو الحياة الشخصية، حيث تتشكل من خلال التفاعلات المستمرة بين الأفراد وتعتمد بشكل أساسي على عناصر مثل الثقة، الاحترام المتبادل، والتواصل الفعّال (Rieg & Marcoline, 2008). عندما تكون هذه العلاقات صحية، فإنها تتسم بالصدق والاهتمام بالآخرين، والاستعداد للتفاهم وحل النزاعات بروح إيجابية، مما يساهم في خلق بيئة مليئة بالثقة والتفاهم المتبادل (Jo & Kim, 2003).في بيئة العمل، تلعب العلاقات الصحية دورًا حاسمًا في تحقيق النمو الشخصي والمهني، حيث تشجع الأفراد على الوصول إلى أهدافهم بطرق متوازنة ومتناسقة، مما يعزز من روح التعاون والإنتاجية ويزيد من الشعور بالدعم والانتماء داخل الفريق (Kelloway & Day, 2005). وبيئة العمل ذاتها تشكل عاملًا رئيسيًا في تحديد نوعية العلاقات بين الأفراد؛ فهي قد تكون حافزًا للتفاعل الإيجابي والتعاون أو قد تعيق هذه التفاعلات إذا لم تكن داعمة بما يكفي. البيئة الصحية في العمل تعزز من فرص إقامة علاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل، وتوفر الدعم النفسي الضروري، مما يسهم في تعزيز التفاعل البناء والتعاون بين الزملاء (Kelloway et al., 2005). ولتحقيق علاقات صحية ومستدامة في بيئة العمل، يجب أن تتوافر مقومات أساسية مثل القيادة الفعّالة التي تدعم الشفافية وتشجع على الاحترام المتبادل وتعزز قيم التعاون بين الأفراد (Day & Livingstone, 2001). كما يتطلب ذلك الاهتمام بالصحة النفسية والعاطفية للموظفين، مما يسهم في بناء بيئة عمل محفزة وداعمة. إن وجود هذه العناصر ُيسهم في بناء علاقات قوية ومتينة تسهم في تحسين الأداء العام للمؤسسة وتحقيق أهدافها بطريقة متناغمة ومتوازنة.المحور الأول: العوامل النفسية المؤثرة على بيئة العمل:1- الاضطرابات النفسية:الاضطرابات النفسية في بيئة العمل غالبا ما تنجم عن التوتر والإجهاد الناتجين عن ظروف العمل الصعبة. يمكن أن تؤدي هذه العوامل إلى ظهور اضطرابات مثل القلق والاكتئاب وانخفاض الرضا الوظيفي، مما يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية للأفراد (Sauter, Murphy, & Hurrell, 1990). وتشير الأدلة إلى أن تحسين ظروف العمل وتقديم خدمات الصحة النفسية للموظفين من الممكن أن يقلل من تأثير هذه الاضطرابات (Sauter et al., 1990).
- كيفية الوقاية من الاضطرابات النفسية:
تشمل استراتيجيات الوقاية من الاضطرابات النفسية في بيئة العمل تحسين تصميم بيئة العمل لتقليل عوامل التوتر النفسي، وزيادة الدعم الاجتماعي، وتوفير فرص للتدريب والتثقيف حول كيفية التعامل مع التوتر. من العوامل المساهمة في التخفيف من هذه الاضطرابات هو دعم الموظفين من خلال برامج الصحة النفسية وتحسين بيئة العمل العامة (Sauter et al., 1990).2- الصراعات المهنية:الصراعات المهنية في بيئة العمل تحدث عادة عندما تتضارب أهداف أو مصالح الأفراد أو الفرق، مما يؤدي إلى توترات قد تؤثر سلبًا على الأداء والإنتاجية. بيئة العمل التي تفتقر إلى الوضوح في الأدوار والمسؤوليات يمكن أن تؤدي إلى هذه الصراعات، والتي تتسبب في زيادة مستوى القلق والتوتر بين الموظفين (Kelloway & Day, 2005). للتعامل مع هذه الصراعات، ُيوصى بتعزيز القيادة الفعالة وتوفير برامج تدريبية تهدف إلى تحسين مهارات إدارة النزاعات وتحفيز التواصل الفعال بين الفرق.
3- الشخصية والسمات الفردية:تلعب السمات الشخصية دورًا كبيرا في كيفية استجابة الأفراد للضغوط النفسية في بيئة العمل. الأفراد الذين يتمتعون بقدرة عالية على التحكم في المشاعر والتكيف مع الظروف يكونون أقل عرضة للتأثر السلبي بهذه الضغوط (Kelloway & Day, 2005). تشير الدراسات إلى أن السمات الفردية مثل الثقة بالنفس والتحكم العاطفي يمكن أن تساعد في التخفيف من تأثيرات التوتر النفسي في بيئة العمل وتعزز من مستوى الرضا الوظيفي والصحة النفسية العامة.
المحور الثاني: بناء ثقافة تنظيمية داعمة للعالقات الصحية:
- كيف يمكن للقادة التأثير بشكل إيجابي على صحة الموظفين وما أهمية سلوك القيادة في خلق بيئة عمل صحية تشجع الرفاهية؟
القادة يلعبون دورًا حيويًا في تعزيز صحة الموظفين ورفاهيتهم من خلال تبني سلوكيات القيادة الداعمة للصحة. وفقًا لدراسة نشرت في مجلة International Journal of Environmental and Public Health، القادة الذين يتبعون نهج القيادة القائم على تحسين بيئة العمل وجعلها صحية يمكنهم التأثير بشكل إيجابي على صحة موظفيهم من خلال تحسين ظروف العمل وتوفير الموارد اللازمة. القادة الذين يركزون على تقليل الضغوط وتحسين بيئة العمل يمكنهم تحقيق توازن أفضل بين متطلبات العمل والموارد المتاحة للموظفين، مما يقلل من خطر الاحتراق الوظيفي ويعزز الصحة العامة (Jiménez et al., 2017).الدور الأساسي لهؤلاء القادة يتضمن إدارة المخاطر البيئية النفسية والاجتماعية في مكان العمل والعمل على تحسين الظروف التي تساهم في تحقيق رفاهية الموظفين. هذا النوع من القيادة ال يقتصر على دعم الموظفين فقط، بل يشمل أي أيضًا تعزيز ثقافة تنظيمية قائمة على الاهتمام بالصحة، والتواصل المفتوح، وإشراك الموظفين في صنع القرارات المتعلقة بعملهم (Jiménez et al., 2017).
- كيف يساهم المناخ التنظيمي الإيجابي، المتأثر بالقيادة، في رفاهية الموظفين ويقلل من السلوكيات السلبية في مكان العمل؟
المناخ التنظيمي الإيجابي الذي يتأثر بالقيادة له تأثير كبير على رفاهية الموظفين ويساهم في تقليل السلوكيات السلبية مثل التحرش والتنمر في مكان العمل. وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Administrative Sciences، فإن المناخ التنظيمي الذي يدعم التواصل المفتوح والشفافية يسهم في تعزيز الثقة بين الموظفين ويزيد من رضاهم الوظيفي وصحتهم النفسية. هذه الأجواء الإيجابية تقلل من التوتر والصراعات داخل الفريق وتخلق بيئة عمل تساهم في تعزيز الإنتاجية وتقليل حالات العنف والتحرش في مكان العمل (Janiukštis et al., 2024).تُظهر الدراسة أن هناك عالقة سلبية بين المناخ التنظيمي الإيجابي والسلوكيات السلبية في مكان العمل، حيث يؤدي تحسين المناخ التنظيمي إلى تقليل التحرش بنسبة تصل إلى 62%، مما يؤكد على أهمية تعزيز الدعم والمشاركة والتواصل في مكان العمل (Janiukštis et al., 2024).
- كيفية تعزيز التواصل المفتوح وبيئة العمل الداعمة للعالقات الصحية في مكان العمل؟
تعزيز التواصل المفتوح في مكان العمل يعتبر من أهم العوامل التي تساهم في بناء بيئة عمل داعمة للعلاقات الصحية. توضح الدراسات أن وجود قنوات تواصل شفافة ومفتوحة يعزز من شعور الموظفين بالثقة والأمان، مما يمكنهم من التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم دون خوف من العواقب. هذه البيئة المشجعة تساهم في زيادة رضا الموظفين وتعزز التفاعل الإيجابي بينهم (Janiukštis et al., 2024).كما أن القيادة المروج للصحة تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز بيئة العمل الداعمة من خلال تعديل الظروف العملية لخلق فرص أكبر للحصول على الدعم الاجتماعي والمشاركة في صنع القرار. هذا النوع من القيادة ُيمكن الموظفين من تحقيق توازن أفضل بين الحياة الشخصية والمهنية، ويزيد من مستوى التحكم في مهامهم اليومية مما يعزز الرفاهية العامة في بيئة العمل (Jiménez et al., 2017).المحور الثالث:إستراتيجيات تساعد في تكوين عالقات صحية في بيئة العمل:
- ما أهمية التوازن بين العمل والحياة في تحسين نوعية حياة الموظفين، وخاصة بالنسبة للنساء اللواتي يوازنن بين الأدوار المتعددة؟
التوازن بين العمل والحياة ُيعد عنصرًا أساسيًا لتحسين نوعية حياة الموظفين، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يتعين عليهن إدارة أدوار متعددة مثل العمل، وتربية الأطفال، ورعاية الأسرة. وفقًا لدراسة أجراها (Anastasopoulou et al., 2023)، فإن تحقيق التوازن بين العمل والحياة يساعد النساء في تعزيز قدرتهن على التكيف وبناء المرونة في مواجهة التحديات اليومية. الدراسة تؤكد أن التوازن بين الأدوار المهنية والشخصية يؤدي إلى تحسين جودة الحياة، حيث يساهم في تقليل التوتر وزيادة الرضا العام والرفاهية النفسية (Anastasopoulou et al., 2023).
- كيف يمكن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية؟
تحقيق التوازن بين العمل والحياة يتطلب استخدام استراتيجيات فعالة مثل التخطيط والتنظيم الجيد للوقت، وتحديد الأولويات بين العمل والأنشطة الشخصية. تشير دراسة (Kallliath & Brough, 2008)، إلى أن من الضروري توفير مرونة في جداول العمل مما يسمح للموظفين بالتكيف مع التزاماتهم الشخصية والمهنية بشكل أكثر فعالية. المرونة تساعد في تقليل الصراع بين الأدوار المختلفة وتعزز من قدرة الأفراد على إدارة مهامهم بفعالية (Kallliath & Brough, 2008).
- ماهي استراتيجيات التوازن بين العمل والحياة؟
تشمل استراتيجيات التوازن بين العمل والحياة ما يلي:1- المرونة في العمل:
تشير الدراسات إلى أن سياسات العمل المرنة، مثل ساعات العمل المرنة أو العمل عن ُبعد، تعتبر من الاستراتيجيات الفعالة في تحقيق توازن بين العمل والحياة. هذه السياسات تمكن الموظفين من التحكم في جداولهم وتوفير وقت أكبر للأنشطة الشخصية (Anastasopoulou et al., 2023).
2- التخطيط وإدارة الوقت:
التخطيط الجيد وتحديد الأولويات يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليل التوتر وتحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.
3- الانفصال النفسي عن العمل:
يوصى بمحاولة الانفصال عن مشاغل العمل خلال أوقات الراحة والتركيز على الأنشطة الترفيهية التي تساعد في تجديد الطاقة وتحسين الصحة النفسية.
الخاتمة:بناء العلاقات الصحية في بيئة العمل يمثل أساسًا قويًا لتحقيق النجاح والتقدم على المستوى الفردي والجماعي. إن دور القادة في تعزيز ثقافة تنظيمية داعمة يساهم بشكل كبير في تحسين رفاهية الموظفين، وتقليل الضغوط النفسية، وزيادة مستوى الرضا الوظيفي والإنتاجية. أظهرت الدراسات أن بيئة العمل التي تتبنى سلوكيات القيادة المروج للصحة تعمل على توفير الموارد اللازمة وتحسين ظروف العمل، مما يساهم في بناء الثقة والتواصل المفتوح بين أعضاء الفريق (Jiménez et al., 2017). كما أن المناخ التنظيمي الإيجابي يلعب دورًا حاسمًا في تقليل السلوكيات السلبية مثل الصراعات المهنية والتحرش في مكان العمل من خلال تعزيز التواصل الفعال والدعم الاجتماعي (Janiukštis et al., 2024).تحقيق التوازن بين العمل والحياة يعتبر أداة فعالة لتحسين جودة حياة الموظفين، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يوازنون بين الأدوار المتعددة. التوازن الجيد بين العمل والحياة يعزز من المرونة والقدرة على التكيف مع تحديات الحياة اليومية، مما ينعكس إيجاب يا على الصحة النفسية والرفاهية العامة (Anastasopoulou et al., 2023). تبني استراتيجيات مرنة لإدارة الوقت والتخطيط الجيد للأنشطة الشخصية والمهنية يعتبر من العوامل الأساسية التي تسهم في تقليل التوتر وتحقيق توازن أفضل بين متطلبات العمل والحياة الشخصية (Kallliath & Brough, 2008).في النهاية، تكوين علاقات صحية وبيئة عمل داعمة يتطلب التزامًا مستمرًا من القادة والموظفين على حد سواء، حيث يسهم ذلك في بناء ثقافة تعزز من التعاون والابتكار، وتدعم النمو والتطور المستدام على المستوى المؤسسي والفردي.