آليات التعامل مع الفجيعة والفقد

آليات التعامل مع الفجيعة والفقد.

تقديم:
أ. ملك بنت موسى الحازمي.


نبذة عن المتحدثة:

أخصائي نفسي أول.
ماجستير رعاية صحية نفسية.
مديرة مجموعة توافق النفس للاستشارات النفسية والاجتماعية.
مدرب معتمد في برنامج المساعدة النفسية الأولية.

الحزن والتعامُل معه:

الحزن أمر طبيعي وجزء من الحياة. وعندما يُتوفى أحد الأقرباء أو يحدث تغيُّر في الحياة؛ فمن المهم أن يستشعر المرء تلك المشاعر وأن يجرؤ على التحدُّث عنها. ومجرّد وجودك إلى جانب أقربائك، يساعدهم ولا يفسح المجال للحزن أن يهوّل عليهم.

من منا لم يشعر بالحزن في حيات؟
من منا لم يشعر بالفقد والتحطيم؟
من منا لم يشعر أن الدنيا توقفت حوله، ولم يعد لحياته معنى؟
للحزن دورة يمر بها، منذ بدايته وحتى نهايته.

فالحزن له نهاية، حتى لو ظننتم أن هذا لن يحدث أبدًا!
الحزن له دورة يمر بها تشمل خمس مراحل.
وإلمامك بمراحل الحزن، يساعدك على التعافي السريع، كما تساعدك في مساعدة واحتواء من يمر بأحزان.

ما هو الحزن؟

إن الشعور بالحزن أكثر من مجرّد الشعور بالأسى فحسب؛ إنه ردّ فعل انفعالي طبيعي إزاء فقدان كبير، كموتِ عزيزٍ أو الانفصال عنه. كما قد يحدث الحزن عند وقوع تغيُّرات كبيرة في حياة المرء؛ كانتقال الأبناء من البيت، أو فقدان العمل، أو الإحالة إلى التقاعد وشعور المرء بأن الآخرين لم يعودوا بحاجة إليه.

يحتاج معظم الناس إلى معايشة الحزن بعد فقدان شخص عزيز أو حدوث تغيُّر جسيم. ويأتي هذا الشعور، الذي يكون شديدًا ومملوءً بالألم في أغلب الأحيان، كوسيلة لكي نُري أنفسنا والعالم من حولنا فداحةَ ما أصابنا. والحزن هو مؤشر على أن الشخص المُصاب بحاجة إلى ألا يُحمّل نفسه فوق طاقتها خلال فترة من الزمن.

يظن الكثير أن الحزن والدموع أمر واحد، ولكن ردّ فعل الجسم قد يكون بطرق أخرى عديدة؛ وقد يتجلّى الحزن بأعراض عديدة: كالتعب الشديد، والمزاج المتقلّب، والصعوبة في التركيز، والخوف، والقلق (الحصر النفسي)، والتملمُل. ويُضاف إليها الآلام المحيطة بالقلب أو في المعدة، وكذلك مشاكل النوم. أما لدى الكبار في السن، فالأكثر شيوعاً هو أن تكون الأعراض أكثر غموضًا ومصحوبة بالاكتئاب.


مراحل الحزن الخمسة طبقًا لنموذج كيوبلر روس في علم النفس:


1. الإنكار: هنا يبدأ الشخص في إنكار الكارثة ويحاول إيهام نفسه أنها غير حقيقية أو أنها لن تؤثر عليه
"أنا بخير" "هذا لم يحدث" "كل شيء على ما يرام".

2. الغضب: في المرحلة الثانية يبدأ الإنسان في الغضب ومحاولة إلقاء اللوم والغضب على شيء ما ويكون الغضب عارمًا وحساسًا.
"لِمَ أنا؟" "كيف يحدث لي هذا؟" "من الملام على هذا؟".

3.  المساومة: بعد مرحلة الغضب تبدأ مرحلة المساومة أو التمني وفيها يستعد الشخص لتقديم تنازلات حتى يعود ما فقده
"دعني أراه مرةً أخرى" "سوف أفعل أي شيء ليعود مرةً أخرى".

4. الاكتئاب: المرحلة الرابعة هي مرحلة الوصول لحقيقة أن الأمر أصبح واقعًا فيقع الشخص في حزن عميق
"أنا حزين" "سأموت على أية حال" "ما الفائدة من هذه الحياة؟".

5. التقبل: هنا يبدأ الشخص في الوعي بحقيقة الحياة وأنها تستمر على أية حال ومهما كان الحزن كبيرًا فسينتهي.
"سأكمل الطريق" "لا فائدة من مقاومة الأمر" "ما حدث قد حدث".

كيف يؤثِّر ذلك على الحياة؟

كلّ حالة من الحزن هي حالة فريدة بذاتها، ولا توجد طريقة نموذجية للحزن. والمهم هو أن يأخذ المرء
الأمور حسب إمكانياته وبطريقته الخاصة. وغالبًا ما نسمع عن “عام من الحزن”، أي أن الأمر يستغرق سنة واحدة على الأقل لكي يتعامل المرء معه. وحينما يُتوفى شخص عزيز، فقد يزداد الإحساس بفقدانه في كل الأعياد التي سيجري الاحتفال بها للمرة الأولى بدونه.
قد يحدث أن يشعر الناس، الذين يعيشون حالة من الحزن على فقدان شخص عزيز، بأنهم يرونه أو يسمعونه. وهذا الأمر هو ردّ فعل طبيعي أيضاً، ولا يعني أن هؤلاء أصبحوا مرضى،

هل يمكن أن يتحسّن الوضع؟

عندما يكون المرء في خضمّ الحزن، يشعر وكأن الحياة لن تصبح أفضل أبدًا. وهذا غير صحيح؛ بل يجب على المرء أن يتجاوز مصائبه مهما كانت مؤلمة. ولا توجد طرق مختصرة، والمهم هو أن يسمح المرء لنفسه بأن تحزن. وقد يكون من الأسهل أن يكون منفتحًا وأن يتحدّث عن أحزانه.
عندما يتحوّل كل شيء إلى فوضى عارمة ولا يشعر المرء بمعنى لأي شيء؛ فمن المهم أن يحاول المحافظة على روتينه اليومي. وقد تضطر إلى تقليل العمل وغير ذلك مما يسبب
الكرب، ولكن حاولْ أن تحافظ على عادات الأكل والنوم على نحو منتظم. ولا بأس من أن تبقى وحيدًا عندما ترغب بذلك وتحتاج إليه، ولكن إيّاك أن تنطوي على نفسك انطواءً كليًا.

متى يكون أشد وقعًا؟

 “بمقدار الفجوة في هذا التباين بمقدار ما يكون حزن الفقد أكثر وقعًا وأشد ألمًا، ويظل في مرحلة الإنكار لما حدث فترة أطول”، مبينًا أن: “عبارة (أتوقع من بجواري أن يكون معي دائمًا) من المعتقدات المعيقة عن العيش بواقعية، ولا تحمي الإنسان من اختلال التوازن فيما لو حصل الفقد”.

محفزات التذكير:

قد تكون بعض المُناسبات التي تذكِّرك بشخصٍ عزيز عليك حتمية، مثل زيارة قبر شخص عزيز عليك أو الذكرى السَّنوية لمَوت شخص أو أيام العطلات أو أحداث جديدة تعرِف أنها ستكون مُمتعة له. حتى الاحتفالات التَّذكارية للآخرين يُمكن أن تُثير كوامن الشَّجَن لدَيك بسبب فقد هذا الشخص العزيز عليك.

ماذا تتوقع عند عودة الحزن؟

لا يمكن توقع مسار الحزن. يمكن أن تستمر ردود الفعل على الذكرى السنوية لأيام في فترة أو تستغرق وقتًا أطول في —الحالات الأسوأ—. قد تشعر في الذكرى السنوية لأحد أحبابك بالعواطف وردود الفعل الشديدة التي مررت بها عند فقدانك لهذا الشخص،  وهي تشمل:

  • الغضب.                                        
  • القلق.
  • نوبات البكاء.
  • الاكتئاب.
  • التعب أو الافتقار للطاقة.
  • الشعور بالذنب.
  • الوحدة.
  • الألم.
  • الحزن.
  • صعوبة في النوم.

أسوأ طرق التعامل:

أسوأ طريقة للتعامل مع حزن الفقد هو التظاهر بالقوة، أو قمع المشاعر، أو إدمان العادات السيئة مثل التدخين والسهر، وإهمال المسؤولية”، ومن الطرق الخاطئة للتعامل مع الفقد: اعتبار مشاعر الحزن، والغضب، والانسحاب، والفتور، وفقد التركيز أنه مرض، بل هو نتاج طبيعي لحزن الفقد.. تقبّله”

نصائح للتكيف مع مشاعر الحزن المتجددة:

  • كن مستعدًا: ردود فعل الذكرى هذه طبيعية. إن علمك بأنه من المحتمل أن تواجه ردود فعل الذكرى يمكن أن يساعدك على فهمها وبالتالي تحويلها إلى فرص للشفاء في بعض الأحيان.
  • ضع تخطيطًا لصرف الانتباه: احرص على الترتيب لتجمّع أو زيارة مع الأصدقاء أو الأحباب خلال الأوقات التي تكون فيها عرضة للشعور بالوحدة أو أن تتذكر موت الشخص العزيز عليك.
  • احرص على تذكر علاقتك: ركز على الأشياء الجيدة حول علاقتك مع الشخص العزيز عليك والوقت الذي كان يجمعكما، بدلًا من التركيز على فقده. واكتب خطابًا إلى الشخص العزيز عليك أو رسالة موجزة إليه حول بعض ذكرياتك الجميلة معه. ويمكنك الإضافة إلى هذه الرسالة في أي وقت.
  • ابدأ تقليدًا جديدًا: احرص على التبرع لمنظمة خيرية باسم الشخص العزيز عليك في المناسبات أو الأعياد، أو زرع شجرة تكريمًا له.
  • تواصل مع آخرين: تذكر الأصدقاء والأحباب المقربين منك، بما في ذلك الأشخاص الذين كانوا مقربين من الشخص العزيز عليك. وابحث عن شخص سيشجعك على التحدث عن فقدك لهذا الشخص العزيز. واحرص على البقاء على تواصل مع أنظمة دعمك المعتادة، مثل: علماء الدين، والمجموعات الاجتماعية. وفكر في الانضمام لإحدى مجموعات الدعم في حالات الفراق.
  • اسمح لنفسك بالشعور بمجموعة من العواطف: لا بأس أن تكون حزينًا وأن تشعر بمعنى الفقد، ولكن اسمح لنفسك أيضًا بتجربة الفرح والسعادة. وأنت تحتفل بالأوقات الخاصة، قد تجد نفسك تجمع بين الضحك والبكاء في آن واحد.

عندما يبلغ الحزن مستوى مفرطًا:

لا توجد حدود زمنية للحزن، وردود أفعال الذكرى السنوية يمكن أن تجعل الشخص يتخبط. ولكن، تجنح شدة الحزن إلى الانخفاض مع مرور الوقت.

إذا تفاقم الحزن مع مرور الوقت بدلًا من التحسن أو تعارض مع القدرة على أداء الوظائف في الحياة اليومية، ينبغي استشارة مختص ومعالج في الصحة النفسية. يمكن أن يؤدي الحزن غير المنتهي أو المعقد إلى الاكتئاب ومشكلات نفسية وعضوية. ولكن من خلال المساعدة المتخصصة، يمكن إعادة تأسيس الإحساس بالسيطرة والتوجيه في الحياة —والعودة إلى المسار نحو التعافي.


نصائح ذهبية:

ما تشعر به من ألم بسبب الفقد هو مؤقت، ومشاعرك المتغيرة مؤقتة، وهي تزول بعد وقت، ربما أيام أو أسابيع، فلا تجزع، بل دعها تأخذ مجراها، دعها تمضي”.
ومن أهم أدوات التخفيف من حزن الفقد هو التعبير عن المشاعر بالفعل والكلمات، لا تترك نفسك في معاناة، اطلب المساعدة من مختص لو تطلّب الأمر”. 


الأخصائي النفسي أ. ملك الحازمي

تبرع سريع